الرئيسية » أنشطة الهيئة » ندوة علمية وطنية في موضوع : “القانون الجنائي المغربي بين الثبات والتطور”

ندوة علمية وطنية في موضوع : “القانون الجنائي المغربي بين الثبات والتطور”

بادرت كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بشراكة مع هيئة المحامين بمراكش ومؤسسات أخرى إلى تنظيم ندوة علمية وطنية في موضوع :

“القانون الجنائي المغربي بين الثبات والتطور”

وضمن فعاليات الجلسة الافتتاحية لهذه الندوة ، حضرت الأستاذة بشرى العاصمي –عضوة مجلس الهيئة – ممثلة السيد النقيب مولاي سليمان العمراني وألقت كلمة هذا نصها :

كلمة السيد النقيب

باسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

المحترمون السادة النقباء الأفاضل

المحترمون الزميلات والزملاء

الحضور الكريم

يشرفنا في هيئة المحامين بمراكش أن ننخرط مجددا في العلاقات التاريخية العلمية الوطيدة التي تجمعنا مع زملائنا في جامعة القاضي عياض عموما ، وفي كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية على وجه الخصوص ، وذلك أن هذه العلاقات الموسومة بالاستمرارية والديمومة تبقى شاهدا على شراكتنا الثقافية والعلمية، ومعبرة على طموحنا النبيل الذي يراهن على الإسهام في التنمية العلمية كمدخل جوهري للتنمية الانسانية .

وضمن هذا الرهان اشتغلنا جميعا عبر العديد من الندوات واللقاءات العلمية وربما أمكن تلخيص تاريخ العلاقة بيننا في هذا التراكم العلمي ، الكمي والنوعي الذي ما فتئ ينكب على موضوعات راهنة ومستجدة بهاجس مواكبة التطور الذي نعيشه وبهدف الإنصات لمجرياته وتحولاته وانعطافاته .

وإذ نلتئم اليوم ضمن هذه الندوة العلمية المباركة فلكي نتدارس ونتبادل الرأي والأفكار بصدد موضوع ” القانون الجنائي المغربي بين الثبات والتطور ” ذلك أن التطور الذي عرفته الجريمة وأساليبها في العصر الراهن فرض نفسه على آليات التشريع ووسائل التحقيق الجنائي سيما أن الحديث عن الجريمة البسيطة تمت الاستعاضة عنه بالجريمة المنظمة التي لم يعد لها وطن خاص أو حدود جغرافية أو نمط متفرد كما تطورت الأنماط والوسائل التي تستعمل في تنفيذ المخطط الاجرامي بشكل أصبح يتطلب المزيد من اليقظة والكشف عن خيوط الجريمة وفق السرعة والنجاعة التي تتطلبها حماية حقوق الضحايا بصفة خاصة والمجتمع عامة من جرائم قد تعصف بالأمن والاستقرار المجتمعي .

وبذلك فإن التصنيفات الكلاسيكية لأنواع الجرائم من حيث الطبيعة والاستمرار وكذا لأركانها لجهة وجود ركن قانوني وركن مادي ومعنوي باتت في الحقيقة متجاوزة أمام ظهور جرائم مركبة من قبيل جريمة الاتجار بالبشر الذي وطبقا للفصل 438 من القانون الجنائي يعتبر التهديد فيها مجرد وسيلة من الوسائل التي متى انضافت إلى الفعل وقصد منها الاستغلال تحققت الجريمة ، كما أن العلاقات الشرعية وإن كانت تشكل في القانون جريمة الفساد أو هتك العرض أو الاغتصاب بحسب الحالات فإن الدعارة والفساد أو جلب أشخاص لممارستها يعتبر فقط إحدى العناصر التي تدخل في تكوين العنصر المادي للجريمة ناهيك عن أن الاتجار بالبشر يعد جريمة غير نمطية تتعدد فيها الأنشطة الجانحة كما تتعدد مسارح الجريمة فيها وتتشابك خيوطها بشكل يعقد من أمر  اكتشاف مرتكبيها .

ناهيك عن ذلك فإن الفقرة الرابعة في الفصل 448 من القانون الجنائي قد أسست لمعيار جديد للتعرف على المتهم ، ذلك أن الشخص موضوع الاتجار إذا كان بإمكانه العمل على تغيير وضعه لا يعتبر ضحية الاتجار بالبشر بل يعد طرفا رئيسيا في العملية إما بصفته فاعلا أصليا أو شريكا أو مساهما في فعل الاتجار .

وفي خضم هذا التطور فقد جاء مشروع القانون الجنائي رقم 16-10 بمجموعة من المستجدات حيث أعطى للعقوبات البديلة تأسيسا تشريعيا خاصا كالعمل من أجل المنفعة العامة والغرامة اليومية وتقييد بعض الحقوق، كما اعتبر الإثراء غير المشروع جريمة مستقلة طبقا للفصل 256-2 .

وفي إطار السيرورة الفكرية والثقافية التي واكبت عقوبة الإعدام، فقد جاء المشرع الجنائي المغربي ليقلص من حالات هذه العقوبة وذلك بحصرها على الجرائم الخطيرة فقط (13 حالة بدلا من أكثر من 40 حالة ) .

وفي إطار تفاعله الايجابي وانسجامه مع المبادئ الدولية فقد تم اعتماد جرائم جديدة من قبيل الإخفاء القسري (الفقرة 9 من الفصل 231 ) وجرائم ضد الإنسانية (445-3) وجرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية .

كما قام المشرع بإعادة تنظيم حالات الإجهاض وتحديد دواعي ذلك (من الفصل 449-453) إضافة إلى إعادة تنظيم بعض الجرائم كالرشوة والجرائم ضد القاصرين ناهيك عن إحداث جريمة عرقلة الامتحانات والمباريات (307-2) وإقرار العقاب بالغرامة إضافة إلى العقوبة السجنية وتخفيض العقاب على المحاولة وتكريس المسؤولية الجنائية للأشخاص الاعتبارية (ف131-1 و 246-1 ) وإحداث تعريف لجناية المنظمة الاجرامية طبقا للفصل 294 .

كما حاول المشرع ملاءمة قوانينه الوطنية مع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي وقع عليها خاصة ” اتفاقية مناهضة العنف ضد المرأة ” ، أو ما يعرف باتفاقية  ” سيداو ” واتفاقية ” حقوق الطفل ” ليأتي مشروع القانون رقم 13-103 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء ليتوج نتائج شراكات بين وزارات متعددة ، ذلك أنه سوى بين العنف ضد المرأة البين والمعلوم حملها  والعنف ضد الأصول والطليق الذي يتم تعنيفه أمام أحد الأولاد أو الأبوين وذلك في تعديل الفصل 404 من القانون الجنائي .

كما تم تعديل الفصل 431 من القانون الجنائي المتعلق بالامتناع عن تقديم مساعدة لشخص في خطر حيث خفض الحد الأقصى للعقوبة إلى سنتين بدل خمس سنوات وأضاف فقرة أخرى ضاعف فيها العقوبة إذا كان الجاني زوجا أو أحد الأصول  أو أحد الفروع أو كافلا .

كما خول المشرع للمحكمة في حالة الإدانة من أجل التحرش أو الاعتداء أو الاستغلال الجنسي أو سوء المعاملة أو العنف ضد المرأة أو القاصرين الحكم بمنع المحكوم عليه في الاتصال بالضحية أو الاقتراب من مكان تواجدها أو التواصل معها بأية وسيلة لمدة تتجاوز خمس سنوات .

يضاف إلى ذلك تجريم التحرش الجنسي المرتكب في الفضاءات العمومية بأفعال أو أقوال أو إشارات ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية مؤكدا تجريم الإكراه على الزواج باستعمال العنف والتهديد (الفصل503) .

حضرات السيدات والسادة ، لا شك أن الندوة التي نحضرها الآن مفعمة بالطموح إلى أن تكون إضافة نوعية في سياق النقاش الوطني الجاري حول القانون الجنائي بشكل خاص و سياسة التجريم والعقاب بوجه أعم . واعتبارا لذلك تشكل هذه الندوة حدثا تاريخيا بموضوعها وسياقها والجهات المنظمة لها وبحجم ووزن المساهمين فيها وبقيمة مداخلاتهم العلمية التي لا نشك إطلاقا في رصانتها ، ذلك أن موضوعها مستجد راهن ويتلاءم مع جمل التحولات التي شهدها المغرب على هذا المستوى ، بمساهمة أساتذة ذوي الوزن الاعتباري في حقل البحث العلمي.

والمحاماة باعتبارها رسالة سامية ذات أهداف ومقاصد نبيلة تعتبر نفسها  في قلب هذا النقاش لأنها كانت ولا تزال بوصلة للنور ، لأنها عريقة عراقة القضاء وتليدة أسوة بالحق والمحامون القانتون في محراب العدل هم نبراس المجتمع ومشاعل الثقافة وطليعة النهضة والحداثة .

أتمنى لأشغال هذه الندوة التوفيق والسداد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

النقيب

الأستاذ مولاي سليمان العمراني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *